تأليف : جان جاك ليفيك
ترجمة : عبدالمنعم السليمان
إعداد وتقديم : مؤيد الزيد
طالما أردنا أن نرى في فراغونار ، شاعرا يتغنى بالحب وحده وفي عالم متحلل من القيود ، ومؤرخا لعالم أنقذته عبقريته من مغرياته وغنجه ، التي ترتبط في الأذهان بنهاية القرن الثامن عشر . وتلك الرؤية قاصرة ، فإذا كان فراغونار مؤرخا تسللت عيناه الى المخادع في أسرارها الحميمه ، فإن أعماله لم تقتصر على خدمة مجتمع كان يجري لحتفه وضياعه .
ذلك المجتمع الذي يعرف نفسه كل المعرفة ، يظهر لنا وجها أكثر تعقيدا وجاذبية ، ساحرا ومؤثرا في الوقت ذاته .
والفنان يرى أبعد من هذا الحاضر الهش ، بنزواته ونزعاته فيما وراء التاريخ الذي يستعصي على الإختزال ، بتهديداته ومخاطره المميته والباعثه على القلق في تجلياتها ، وفي الذهنية التي سوف تستتبع ذلك .
إن الفنان هنا يبدأ بالخطوات الرومانسية ، هذا الهروب الانتحاري الذي يدفع بالجسد إلى عذابات الحب والعشق ، والإنبهار أمام الموت المتغلغل بين حناياه وثناياه ، إلى الحد الذي تلقي فيه عليه ألوانا وظلالا من التواطئ المأساوي .
وهو يرسم بطريقه أحدث من معاصريه ، أي بإندفاع طبيعي وعفوية تكاد تلهب المادة الرسمية الفنية ، وهو بذلك يمارس حريته وعفويته ومهارته ، ولأنه يغامر في متاهة الرسم - تمثله الألوان والحركات - فإن فراغونار يفرض نفسه كرسام حداثة خارقة للعادة ، وبهذا المعنى يفرض ذاته كأحد رواد الحساسية التي تجد جذورها في الإنسان الذي نزعت منه إمتيازاته ، ليتغنى بالحب وبالمرأة ، وهو بذلك يؤسس لأخلاق جديدة مفتاحها المرأة ، وهكذا إختار نوعا من النهضة والإنبعاث والولادة الجديدة ، منحتها الرومانسية مفاتيحها ،وفي نفس الحين الذي أضفت فيه عليها ظلالا مدلهمه من الحزن والكآبة . يتبع .....
الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016
حياة وأعمال فراغونار 1
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق